المقدمة
تُعد Final Fantasy Tactics: The Ivalice Chronicles النسخة المُحسَّنة من الإصدار الأصلي الذي طُرح لأول مرة عام 1997 حصريًا على جهاز PlayStation 1. ورغم مرور أكثر من عقدين، ما زالت القصة وآليات اللعب تُعتبر من الأفضل على الإطلاق، بل ومن أبرز ما قدمته سلسلة Final Fantasy ، خصوصًا من حيث السرد العميق وبناء العالم والشخصيات.
تأتي النسخة المُحسَّنة هذه مع صور بورتريه محسّنة لجميع الشخصيات، وأداء صوتي كامل للمشاهد، بالإضافة إلى دقة عرض أعلى تجعل التجربة أكثر وضوحًا وجمالًا من أي وقت مضى. ومع ذلك، يحتفظ هذا الإصدار بلمسة الأصالة، إذ يمكنك أيضًا اللعب بالإصدار الأصلي الكلاسيكي المضمَّن داخل الحزمة نفسها، لتستمتع بالتجربة كما كانت في أيامها الأولى.
القصة
تبدأ أحداث Final Fantasy Tactics: The Ivalice Chronicles في مملكة إيفاليس (Ivalice)، بعد نهاية حرب طاحنة استمرت خمسين عامًا أنهكت البلاد ودمّرت اقتصادها، لتترك الشعب في فقرٍ ومعاناة بينما يستمر النبلاء والحكام في التنازع على السلطة. في خضم هذا العالم المليء بالصراعات الطبقية والمؤامرات، نتعرّف على بطل القصة رامزا بيلوف (Ramza Beoulve)، أصغر أبناء عائلة نبيلة عريقة تخدم التاج.. تبدأ القصة بمشهد اختطاف الأميرة على يد شخص مجهول، لكن المفاجأة أن رامزا يعرفه جيدًا، إنه ديليتا (Delita Heiral)، صديقه المقرب الذي نشأ معه داخل قصر عائلة بيلوف رغم أنه من عائلة فقيرة. رابط الأخوّة الذي جمع رامزا وديليتا يبدأ بالانهيار مع تطور الأحداث، حيث تتغير نظرة كل منهما للعالم بعد سلسلة من الخيانات والمآسي، فيسلك كلٌ منهما طريقًا مختلفًا لتحقيق رؤيته الخاصة للعدالة.
تتعمق القصة في تصوير الطبقية القاسية داخل المملكة، وكيف أن النبلاء ينظرون إلى العامة كأدوات تُستخدم لتحقيق مصالحهم السياسية، بينما تُدفن التضحيات الحقيقية لمن قاتلوا بشرف. هنا يبدأ رامزا بالتمرد على واقعه، ويقرر أن ينسج مصيره بيده، مقاتلًا من أجل عدالة يؤمن بها هو، لا تلك التي يرسمها أصحاب النفوذ.
ما يجعل القصة مميزة هو أسلوب سردها، إذ تُقدَّم على شكل رواية تاريخية تُروى بعد سنوات طويلة من الأحداث، لتكشف كيف يمكن أن يُشوَّه التاريخ وتُحرَّف الحقائق خدمةً للسلطة، وكيف تُمحى أسماء الأبطال الحقيقيين من الذاكرة رغم أنهم من صنعوا إرث المملكة الحقيقي.
أسلوب اللعب
حتى يومنا هذا، ما زالت Final Fantasy Tactics: The Ivalice Chronicles تُقدّم واحدًا من أفضل أنظمة تبادل الأدوار التكتيكية (Turn-Based Strategy) في تاريخ الألعاب.. كل معركة في اللعبة تُقام على خريطة محدودة المساحة، وتتطلب منك توزيع وحداتك (Units) داخل حدود معينة، مع تحديد عدد من الشخصيات التي يمكنك استخدامها في كل مواجهة.، هنا يبدأ التفكير الاستراتيجي الحقيقي، إذ عليك اختيار التشكيلة الأنسب بناءً على تضاريس الخريطة وطبيعة الأعداء ومهاراتهم، لأن أي خطأ بسيط في التخطيط قد يغيّر مجرى المعركة بالكامل.
واحدة من أبرز ميزات اللعبة هي نظام الوظائف (Jobs System)، الذي يُعد من أكثر الأنظمة عمقًا وإدمانًا في تاريخ السلسلة. يوجد أكثر من 20 وظيفة مختلفة يمكنك فتحها وتبديلها بحرية، مثل الفارس (Knight)، الساحر (Wizard)، الراهب (Monk)، الخيميائي (Chemist)، النينجا (Ninja) وغيرها، وكل وظيفة تمتلك قدراتها الخاصة، ويمكنك الدمج بين مهارات أكثر من وظيفة واحدة لتكوين شخصيات فريدة تمامًا تناسب أسلوبك في اللعب.
التخصيص لا يتوقف عند الوظائف فقط، بل يمتد إلى الأسلحة والدروع والمعدات. كل شخصية يمكن تجهيزها بعناصر مختلفة تؤثر على القوة، السرعة، والدقة، ويمكن شراء هذه الأدوات من التجار (Shops) المنتشرين في المدن والقلع. من خلال هؤلاء التجار يمكنك سماع الشائعات والأخبار التي تتغير مع تقدم القصة، وشراء العناصر العلاجية أو القطع النادرة التي تعيد الصحة والطاقة السحرية، أو حتى إحياء الشخصيات التي سقطت في القتال. كل شخصية “” سواء كانت حليفًا أو عدوًا “” تمتلك ثلاث قلوب (Lives)، وعند فقدانها بالكامل، تموت الشخصية نهائيًا وتُزال من الفريق. لكن قبل ذلك، يمكن أن تتحول الشخصية الساقطة إلى صندوق (Chest) يحتوي على معدات، أو كريستالة (Crystal) تمنحك خيارين:
إما استعادة الصحة والطاقة بالكامل، أو اكتساب قدرات جديدة من الشخصية الميتة. هذه الميكانيكية تضيف توترًا دائمًا وتجعل قراراتك في ساحة المعركة أكثر حذرًا.
التجار يقدمون أيضًا خيار تجربة الأدوات قبل شرائها لمعرفة تأثيرها على الإحصائيات، وهي لمسة ذكية تضيف طابعًا إداريًا واقعيًا. كما تُرسل لك اللعبة إشعارات عند توفر معدات جديدة بعد معارك معينة، مما يجعل العودة إلى المتاجر جزءًا أساسيًا من تطور فريقك.
نظام الخبرة متقن بدوره؛ فكل حركة * سواء كانت هجومًا، تعويذة، أو دعمًا * تمنحك نقاط خبرة (XP) لتطوير الشخصية، ونقاط تخصص (JP) لفتح مهارات جديدة خاصة بالوظيفة الحالية.
يمكنك أيضًا تفعيل قدرات رد فعل (Reaction Skills) مثل التفادي، الصد، والهجوم المضاد، أو زيادة مدى الحركة في كل دور، بل وحتى تمكين الشخصيات من استخدام أسلحة جديدة كالفؤوس والدروع الثقيلة. ما يجعل أسلوب اللعب تكتيكيًا بحق هو أن كل هجوم يؤثر على منطقة محددة من الخريطة. وإذا مات العدو أو تحرك قبل تنفيذ الهجوم، لن يُلغى الفعل بل ستهاجم شخصيتك الفراغ وتخسر دورها، لذا التوقيت والدقة عنصران أساسيان.
كما تُظهر اللعبة دائمًا نسب الضرر والدقة وردة الفعل المتوقعة قبل تنفيذ أي ضربة، لتتيح لك حساب المخاطر بدقة — خصوصًا مع وحدات الرماة (Archers) الذين يجب وضعهم في أماكن مرتفعة لزيادة الدقة، مع الحذر من وجود حلفاء في خط النار.
أحيانًا تنضم إليك شخصيات لا يمكنك التحكم بها، تُعرف باسم الضيوف (Guests)، وهي شخصيات تتصرف ذاتيًا في ساحة القتال تبعًا للسيناريو. في بعض المعارك يكون واجبك حمايتهم من الموت، مما يضيف عنصر توتر إضافي، لأن خسارتهم تُعد هزيمة فورية تمامًا مثل موت رامزا نفسه، وفي مواقف أخرى يمكنك تجنيد بعض هؤلاء الضيوف لينضموا إلى فريقك الدائم، أو حتى تجنيد جنود إضافيين لإرسالهم في مهام جانبية تمتد لأيام داخل اللعبة، ما يضيف بعدًا إداريًا ممتعًا لتطوير جيشك.
باختصار، أسلوب اللعب في Final Fantasy Tactics ليس مجرد نظام تبادل أدوار، بل مدرسة في التصميم التكتيكي، تمزج بين العمق، التخصيص، والذكاء في اتخاذ القرار، لتجعل كل معركة اختبارًا حقيقيًا لعقلك واستراتيجيتك.
الرسومات والصوتيات
نجح فريق التطوير في الحفاظ على روح التجربة الأصلية دون المساس بهويتها الفنية، مع تقديم تحسينات واضحة جعلت اللعبة تبدو أجمل وأنقى من أي وقت مضى. وعند مقارنتها بالإصدار الأصلي على الـ PlayStation 1، يمكن ملاحظة الفارق بوضوح: تم تحسين الخامات وإبراز التفاصيل الصغيرة بشكل أكثر دقة ووضوح، مع إضافة حدة أفضل للألوان والمعالم البصرية، مما جعل البيئات تنبض بالحياة دون أن تفقد طابعها الكلاسيكي.
الأسلوب البصري المعتمد في اللعبة ينجح بامتياز في نقل أجواء العصور الوسطى الفانتازية، إذ يعجّ العالم بالتفاصيل الجميلة من الغابات إلى الحقول ، ومن القرى الصغيرة إلى المدن والقلاع الضخمة، كلها تخلق إحساسًا قويًا بعالمٍ واقعي وغامر رغم أسلوبه البسيط.
أما على صعيد الصوتيات، فقد أبدع Hitoshi Sakimoto، الملحن المعروف الذي قدم أعمالًا خالدة في أجزاء أخرى من Final Fantasy وكذلك في سلسلة Valkyria Chronicles في تأليف موسيقى متقنة تنبض بالمشاعر.! وكعادته، لم يخيّب الآمال: فقد جاءت الألحان ملحمية أثناء المعارك الكبرى، وهادئة ومؤثرة في لحظات الحزن أو الغضب، كل هذا جعل الموسيقى جزءًا أساسيًا من الحكاية الملحمية التي ترويها اللعبة.
* تمت مراجعة اللعبة على PC بنسخة مراجعة مقدمة من الناشر.
الإيجابيات
- من الصعب ألا تشعر بالغيرة من أولئك الذين لعبوا الإصدار الأصلي وقت صدوره، لأنهم شهدوا واحدة من أعظم قصص Final Fantasy على الإطلاق، والتي تقف بسهولة بين أفضل الألعاب في السرد القصصي التي يمكن أن تلعبها حتى اليوم.
- بالنسبة لعشاق اللعبة الأصليين، فهذه فرصتك لعيش التحفة من جديد، لا تحكم على النسخة المحسّنة من خلال الصور والمقارنات على الإنترنت، بل جربها بنفسك وستكتشف كم هي مذهلة. وحتى لو كنت من عشاق النسخة القديمة، فالمطورون أضافوا النسخة الأصلية داخل الحزمة نفسها احترامًا لجمهورها.
- صحيح أن جمهور الألعاب الحديث يركط كثيرًا على الرسومات، لكن إن وضعت ذلك جانبًا ونظرت إلى ما تقدّمه اللعبة فعلًا، فستُبهَر بـ الأسلوب الفني الفريد وآليات اللعب الذكية التي ما زالت مدهشة رغم مرور الزمن.
- تصميم القتال رائع وممتع بشكل لا يُصدق، يجمع بين التكتيك، الإحساس بالإنجاز، والرضا بعد كل معركة ناجحة.
- الموسيقى رائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تضيف طابعًا دراميًا وساحرًا يجعل كل لحظة أكثر تأثيرًا.
- القصة لا تتوقف عند الأحداث الرئيسية حتى المهام الجانبية تحمل قصصًا مؤثرة ومترابطة تضيف عمقًا للعالم وتجعلك أكثر ارتباطًا به.
السلبيات
تثبت Final Fantasy Tactics: The Ivalice Chronicles أن القصة الممتازة وأسلوب اللعب الذكي لا يتقدمان مع مرور الزمن، فالنسخة المحسّنة حافظت على جوهر اللعبة الأصلي وأضافت إليه تمثيلًا صوتيًا متكاملًا وتحسينات بصرية جعلتها تبدو مذهلة حتى اليوم.
هي تذكير قوي بأن نظام تبادل الأدوار الكلاسيكي ما زال قادرًا على الإبهار، وأن التغيير الجذري في أسلوب السلسلة الحديثة ليس بالضرورة الطريق الأفضل.