المراجعات

مراجعة Enshrouded

المقدمة

مع اعتبار الحاسوب الشخصي الموطن الأساسي لألعاب البقاء والصناعة، ومع وجود منافسة قوية للغاية في هذا النوع، أصبح من الصعب على أي عنوان جديد أن يزيح الألعاب السابقة التي اكتسبت شعبيتها عبر السنوات. وهنا يكمن سر نجاح Enshrouded؛ فقد تمكن المطورون فعلاً من إقناع الكثيرين بتجربتها، ليس فقط بفضل محتواها الضخم، وسردها الذكي، وأسلوب لعبها الإدماني خصوصًا عند خوضها مع الأصدقاء، بل لأنهم لم يتوقفوا عند هذا الحد، بل واصلوا إضافة محتويات رئيسية جديدة، شملت مناطق جديدة بالكامل مع مهامها الخاصة، إلى جانب آليات لعب مبتكرة جعلت التجربة أكثر سلاسة وغنية بالمحتوى على مدار العام.

القصة

تبدأ اللعبة بصفتك فلايمبورن (Flameborn) الذي يستيقظ وهو يحمل شرارة من قوة سحرية وعريقة، لتصبح خط الدفاع الأخير ضد فساد الشرود الذي تسبب في عودة العديد من المخلوقات القديمة والبشر من عصور مختلفة.

ومع تقدمك شيئًا فشيئًا، تبدأ بفهم ما الذي حدث بشكل خاطئ في إيمبِرفيل، وما الذي أدى إلى تسرب الشـرود وانتشاره ليفسد كل ما يلمسه.

تُروى القصة من خلال السرد البيئي؛ عبر المخطوطات، والزنازين، والشخصيات غير القابلة للعب (NPCs)، وغيرها من الوسائل، مما يدفع اللاعب إلى التعمق والاستثمار أكثر فأكثر في عالمها الغامض.

أسلوب اللعب

ما يميز Enshrouded عن غيرها من ألعاب البقاء هو أسلوب اللعب العميق والمتنوع. فهي تمزج بين عناصر البقاء الكلاسيكية وعمق ألعاب تقمّص الأدوار (RPG)، مما يمنح اللاعبين حرية كاملة في اختيار طريقتهم الخاصة للتعامل مع التحديات. القتال في اللعبة ديناميكي وممتع، إذ يتيح ترسانة واسعة من الأسلحة والقدرات. يمكنك خوض معارك شرسة عن قرب باستخدام السيوف والفؤوس والمطارق، أو التوجه إلى المسار السحري عبر إتقان التعاويذ والهجمات البعيدة. يرتبط نظام القتال مباشرةً بشجرة مهارات واسعة تجعل التقدم محسوسًا ومؤثرًا. كل فرع منها يوضح بشكل واضح نوع البناء (Build) الذي تسلكه، سواء كنت محاربًا صلبًا، أو ساحرًا، أو لصًا متخفيًا، أو مزيجًا من عدة أنماط. هذه الحرية تشجع على التجربة وتمنحك متعة تشكيل هويتك الخاصة في عالم غارق باللعنة.

بعيدًا عن القتال، تضيف أنظمة البناء وإدارة القاعدة بعدًا جديدًا لتجربة البقاء. بفضل نظام تعديل التضاريس القائم على الفوكسل (Voxel)، لست مقيدًا بهياكل محددة مسبقًا، بل يمكنك إعادة تشكيل الأرض نفسها: حفر الجبال، شق الوديان، أو بناء أبراج شاهقة قطعةً بعد قطعة. يمكن للاعبين ابتكار كل شيء من ملاجئ بسيطة إلى حصون ضخمة، حيث يصبح كل بناء شهادة على خيالهم ومهارتهم.

ترتبط إدارة القاعدة بشكل وثيق بالاستكشاف. فخلال رحلتك ستجد شخصيات ناجين (NPCs) يمكنك تحريرهم من العالم، لينضموا إلى قاعدتك كمساعدين يقدمون خدمات أساسية مثل الصناعة والزراعة والكيمياء والتجارة. ومع مرور الوقت تتحول قاعدتك إلى ملاذ حقيقي وسط الضباب الملعون. ولإضافة عمق أكبر، يمكن للاعبين الاعتماد على الحيوانات الأليفة والمخلوقات المستدعاة عبر بناء الـ Beastmaster، أو حتى تربية الحيوانات الزراعية للحصول على الطعام والموارد، مما يمنح القاعدة إحساسًا بالحياة والتطور.

أما على صعيد اللعب التعاوني والطور الجماعي، فتقدم اللعبة تجربة سلسة. يمكنك الانضمام إلى أصدقائك بنفس شخصيتك المتقدمة من طور الفردي دون الحاجة لبدء شخصية جديدة، مما يخلق استمرارية ممتعة بين اللعب الفردي والجماعي. هذه الميزة تجعل التعاون مثيرًا، حيث يستطيع اللاعبون الأقوى مساعدة المبتدئين مع الاستمرار في تحقيق التقدم الشخصي.

من أبرز خصائص Enshrouded نظام القدرة على التحمل (Stamina)، والذي يضيف واقعية واندماجًا أكبر. فكلما بذلت مجهودًا أكثر.. ركضًا، قتالًا، أو بناءً، أصيب جسدك بالإرهاق تدريجيًا وفقدت جزءًا من الحد الأقصى لطاقة التحمل حتى تستريح. هذا النظام يجبرك على التوقف لالتقاط الأنفاس، إشعال نار، والجلوس لتناول الطعام والراحة، مما يوازن بين وتيرة اللعب السريعة ولحظات الهدوء.

وبنفس القدر من التميز يأتي نظام الطعام والمستهلكات، الذي يكسر القاعدة المعتادة “كُل وإلا مت!!”. في Enshrouded، الطعام ليس مجرد وسيلة للبقاء على قيد الحياة، بل أداة استراتيجية تمنحك تعزيزات خاصة. فكل نوع من الطعام يقدم فوائد مختلفة مثل زيادة الصحة أو القدرة على التحمل، تعزيز مقاومة الصقيع، رفع البراعة (Dexterity)، أو زيادة التحمل الجسدي (Constitution). يمكن للاعب الاحتفاظ بثلاثة تعزيزات غذائية نشطة فقط، مما يجعلك تفكر بعناية في نوعية الطعام الذي تتناوله. لا يمكنك تكديس نفس النوع ثلاث مرات وأنما عليك المزج بين عدة أنواع لتناسب احتياجاتك. كما يضيف مهارة “معدة الصحراء” (Desert Stomach) خانة رابعة، لتوسع خياراتك أكثر.

المستهلكات بدورها متنوعة ومدروسة بعناية: من الحلويات مثل العسل والسكر، إلى الفواكه واللحوم والشوربات والمشروبات. بعضها يدوم لفترات أطول، وبعضها يمنح تعزيزات أقوى، وبعضها أصعب في الحصول عليه لكنه يستحق الجهد. هذا التنوع يجعل الطهي وجمع الموارد تجربة ممتعة وليست مجرد تكرار ممل.

كل هذه الأنظمة، القتال، البناء، القدرة على التحمل، الطعام، واللعب التعاوني تنسجم معًا لتشكيل حلقة لعب تبقيك مشغولًا دائمًا. Enshrouded لا تختبر فقط قدرتك على البقاء، بل تدفعك لتزدهر، تتأقلم، وتنمو في عالم قاسٍ بقدر ما هو مجزي.

الاستكشاف والبيئة

يُعد تصميم العالم في Enshrouded من أقوى عناصر اللعبة وأكثرها تميزًا. حيث تقدم اللعبة قارة شاسعة مقسمة إلى مناطق حيوية مختلفة… غابات خضراء، صحارى قاحلة، جبال شاهقة، ومدن مدمرة، وكل منطقة منها صُممت بعناية لتغمرك في شعور حضارة قديمة عظيمة دمرها لعنة غامضة. كل إقليم له هويته الخاصة وأجواؤه الفريدة، ويكافئك على الاستكشاف بمناظر خلابة، وأسرار خفية، وقطع من الحكايات التي تكشف تدريجيًا تاريخ هذا العالم.

خلال تجوالك في هذه الأرض الواسعة، لا يزول إحساس الاكتشاف أبدًا. فالأنقاض القديمة وبقايا الحضارة المفقودة تنتشر في أرجاء الخريطة، لتروي بصمت قصص شعبٍ ازدهر في الماضي قبل أن يبتلعهم الضباب الملعون. هذه المعالم ليست مجرد ديكور بصري، بل تمثل نقاطًا أساسية للتنقل، ومصادر للموارد، وأحيانًا حصونًا خطيرة تكتظ بالمخلوقات المعادية.

أما الضباب الملعون (The Shroud) فهو ربما أكثر ما يميز البيئة في اللعبة. هذا الغشاء الكثيف يغطي مساحات واسعة من الأرض، محولًا المناطق الهادئة إلى أماكن كابوسية مليئة بالخطر. في داخله يتجول بشر فقدوا إنسانيتهم وإرادتهم، وتحولوا إلى كائنات مسعورة لا يحركها سوى العنف. دخول هذه المناطق دائمًا مغامرة محفوفة بالمخاطر، لكن الوعد بالحصول على غنائم نادرة، ومواد لصناعة الأدوات، ومعدات قوية يجعل الأمر يستحق المجازفة. اللعبة تنجح بمهارة في تحقيق هذا التوازن، لتجعلك تشعر بالرهبة والحماس في كل مرة تخطو داخل الضباب.

الاستكشاف في Enshrouded ليس مجرد جمع للموارد، بل هو تجربة بقاء واكتشاف مستمر، وصراع دائم بين الأمان والمكافأة. عالم اللعبة ينبض بالحياة والخطر في آن واحد، ويمنحك شعورًا متجددًا بأن كل رحلة وراء الأفق تحمل في طياتها مزيجًا من المخاطر والدهشة.

الرسومات والأسلوب 

من الناحية البصرية، تقدم Enshrouded توازنًا رائعًا بين الفانتازيا والواقعية، مما يجعل العالم يبدو ساحرًا وفي الوقت نفسه قابلًا للتصديق. تتميز البيئات بتفاصيل غنية، مع خامات عالية الجودة تجعل المواد.. كالخشب، والحجر، والمعدن، والقماش تبدو حقيقية وملموسة. تبدو الأسطح حادة وطبيعية، وتُظهر التفاصيل الدقيقة في الأنقاض، والأسلحة، والعناصر المصنوعة يدويًا مدى الاهتمام الكبير ببناء العالم.

تعد الإضاءة أحد أبرز نقاط قوة اللعبة. حيث تلقي الشمس المتحركة ظلالًا ديناميكية على المناظر الطبيعية، لتبرز مرور الوقت بطريقة خلابة. عند الفجر، يغمر العالم ضوء ذهبي ناعم؛ وفي منتصف النهار، يصبح الضوء ساطعًا وقويًا؛ وعند الغروب، تطول الظلال وتغمر الأجواء ألوان دافئة، ما يخلق شعورًا بالهدوء قبل حلول الليل. هذا الإيقاع الطبيعي لا يضيف فقط عنصرًا من الواقعية، بل يعزز الانغماس، ليجعلك تشعر بأنك جزء حقيقي من دورة الليل والنهار.

تُعزز النباتات والتضاريس الخضراء هذا الانغماس بشكل أكبر. العالم مليء بالتنوع… غابات كثيفة بأشجار شاهقة، سهول مغطاة بالعشب والزهور البرية، ومناطق مظلمة متأثرة بالضباب حيث تتلوى النباتات وتتحلل تحت اللعنة. كل بيئة تشعر بأنها حية، مع اختلاف النباتات التي تمنح كل منطقة هويتها الخاصة. التباين بين المناطق الخضراء المزدهرة والمناطق المظلمة المشوهة بالضباب مذهل بصريًا، ويعكس بصريًا جوهر اللعبة في البقاء في عالم محارب لنفسه.

الأجواء والموسيقى والمؤثرات الصوتية

إذا كانت الرسوميات تجذبك، فإن تصميم الصوت يجعلك تبقى في عالم اللعبة. تتفوق Enshrouded في استخدام الموسيقى والصوت لتشكيل المزاج والأجواء، مدمجين بسلاسة مع أسلوب اللعب. الموسيقى التصويرية غامرة جوًا، وتتغير نبرتها لتناسب الموقف. أثناء الاستكشاف والبناء، تميل الموسيقى إلى ألحان هادئة ومريحة تشجع على الفضول والإبداع. لكن عند دخول الضباب الملعون، تصبح الموسيقى أكثر قتامة، مضيفة توترًا وعدم ارتياح يبقيك على حافة اليقظة. الانتقال بين هذه المناطق يبدو طبيعيًا، حيث تعمل الموسيقى كمرشد غير مرئي لحالتك العاطفية.

بعيدًا عن الموسيقى، تضيف المؤثرات الصوتية البيئية حياة للعالم. أصوات الطيور من بين الأشجار البعيدة، الرياح تهب بين الأعشاب الطويلة، وفرقعة النار في معسكرك تمنح شعورًا بالراحة بعد يوم طويل من البقاء. في المناطق المظلمة، تتغير البيئة الصوتية، تصبح الصدى أكثر وضوحًا، خطواتك تبدو أثقل، وأصوات الـ Fallen الغليظة تذكرك بالخطر الكامن. حتى القتال يستفيد من الصوت، حيث تحمل ضربات السلاح، وشد أوتار القوس، واندفاع الطاقة السحرية وزنًا وحضورًا واضحًا.

معًا، تخلق الرسوميات وتصميم الصوت أجواءً ساحرة ومليئة بالخطر، تغمرك في عالم يتأرجح باستمرار بين الهدوء والخطر. هذه الثنائية الجمال والخطر، السكينة والتوتر هي ما يجعل تقديم Enshrouded تجربة لا تُنسى.

* تمت مراجعة اللعبة على PC بنسخ مراجعة مقدمة من الناشر.

الإيجابيات

السلبيات

التقييم النهائي

تمكنت Enshrouded من ترسيخ نفسها كواحدة من أقوى ألعاب البقاء الحديثة عبر مزيج متقن من السرد الذكي، والقتال الديناميكي، وأنظمة البناء العميقة، والأجواء الغامرة التي لا تنسى. اللعبة لا تختبر فقط قدرتك على النجاة، بل تدفعك للازدهار، والاكتشاف، والتأقلم في عالم مليء بالخطر والجمال في آن واحد.

رغم بعض العيوب البسيطة في تصميم بعض المناطق، فإن التجربة الكاملة تبقى استثنائية وغنية بما يكفي لتمنحك ساعات طويلة من الانغماس والمتعة.

9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Optimized by Optimole