المقدمة
بعد مرور ست سنوات على إصدار Anno 1800، تعود سلسلة Anno بجزء جديد يأخذنا في رحلة عبر الزمن إلى قلب الإمبراطورية الرومانية في عام 117 ميلادي. اللعبة تمثل واحدة من أفضل ألعاب الاستراتيجية التي صدرت هذا العام، وفي ظل قلة الإصدارات المميزة، تبرز Anno 117: Pax Romana كواحدة من أبرز إصدارات 2025.
الأساسيات: صيغة مجربة مع لمسات جديدة
في جوهرها، تعتمد اللعبة على آلية البناء وإرضاء سكان مدنك التي عُرفت بها السلسلة منذ سنوات. كل مدينة لها متطلباتها الخاصة، لكن هذه المتطلبات تتكرر عبر المستويات المختلفة من عامة الناس وصولاً إلى طبقة النبلاء. تبدأ برغبات بسيطة كالطعام والملابس، وعندما تلبي هذه الاحتياجات، يمكنك ترقية سكانك للمستوى التالي الذي يفتح مبانٍ جديدة ومنتجات أكثر تعقيداً. ما يميز Anno 117 هو كيفية تطبيق هذه الآلية ضمن السياق الروماني. اللعبة تتيح لك استكشاف العديد من الجزر وتطويرها، مع إمكانية إعطاء كل جزيرة ديانة أو معتقداً خاصاً بها. هذا النظام يمنحك القدرة على التعامل مع كل جزيرة بشكل فردي، مما يضيف طبقة استراتيجية عميقة. لكن هذه الميكانيكيات تعني ساعات طويلة من اللعب، وأحياناً تصبح الأمور صعبة لدرجة تضطرك للاستدانة من الإمبراطور لتغطية حاجات شعبك.
الإضافات الجديدة: بين الإبداع والتكرار
أضاف هذا الجزء عدة أمور جديدة ولطيفة، أبرزها شجرة المهارات (Discovery Tree) التي قُسمت إلى ثلاثة فروع: القوات البرية، الشؤون المدنية، والاقتصاد. هذا النظام يعطي معنى حقيقي للتقدم، والاختيارات فيه مهمة جداً لأن التقدم بطيء ويمكن القول إنه يمنح واقعية أكثر للتجربة. في البداية قد يكون متعباً ويجبرك على التقدم ببطء، لكنه يوفر ميزة إعادة لعب ممتازة وهذا شيء مميز حقاً. الإضافة الأخرى المثيرة هي إمكانية الاختيار بين الثقافة الرومانية والسلتية. هذه المرة يمكنك اختيار من سيدخل مدينتك – – السلتيون أو الرومان – – وكل منهم له أهميته وقدراته وديانته ومعتقداته التي يجب عليك تلبيتها. هذا القرار يؤثر بشكل مباشر على شكل مبانيك واحتياجات سكانك، خصوصاً في منطقة Albion حيث يمكنك الحفاظ على الهوية السلتية أو فرض الرومنة الكاملة.
كما أضيفت تحسينات كثيرة للتخطيط العمراني، منها وضع المباني بشكل قطري( وهي ميزة طال انتظارها) والتوقف الفعال (Active Pause) الذي يسمح لك بإيقاف جزء من المباني والوقت بينما تقوم بعدة فعاليات، ثم عند تحريك الوقت تتحرك الأمور. هذه الإضافة تحل مشكلة كبيرة كانت موجودة في الأجزاء السابقة.
المناطق: تنوع بصري مع بعض التحديات
التنوع في المناطق شيء جميل. اللعبة تمنحك منطقتين رئيسيتين: Latium وهي المنطقة الرومانية الكلاسيكية المستوحاة من إيطاليا، حيث تشعر حقاً أنك تبني إمبراطورية رومانية عظيمة مع القنوات المائية والمسارح والمباني ذات الطابع المعماري الروماني الأصيل. المشكلة الوحيدة في Latium هي ضرورة بناء فيلا فوراً عند الاستيطان في أي جزيرة، مما يجعل الأمر أصعب قليلاً خصوصاً للجزر الزراعية الصغيرة.
أما Albion فهي المنطقة الهجينة بين الرومان والسلتيين، وتقدم تجربة مختلفة تماماً. المنطقة أكثر قتامة ودرامية، مع أجواء ضبابية وأمطار مستمرة تعطي طابعاً سلتياً واضحاً. المشكلة في Albion أن الضباب الكثيف يؤثر على رؤيتك واختيارك للأماكن المناسبة للبناء. بالإضافة لذلك، تحتوي الجزر على مستنقعات يمكن بناء أنواع محددة فقط من المباني عليها، مما يضيف تحدياً تخطيطياً إضافياً. يمكنك تجفيف هذه المستنقعات لاحقاً، لكن في البداية عليك التعامل معها كما هي. اختيار الثقافات في Albion ميزة إضافية جيدة، لكن في الحقيقة تأثيرها يبقى أكثر جمالياً من عملي. التغييرات تظهر في شكل المباني والأجواء العامة أكثر من تأثيرها على آليات اللعب الأساسية.
الحملة: جيدة لكن بسرد ضعيف
القصة جميلة مع توتوريالات تشرح لك أساسيات اللعبة بشكل تدريجي، لكن الحقيقة أنك تنسى كل تفاصيلها بعد إنهائها. تبدأ الحملة بشكل قوي: أنت حاكم تم إرساله لإعادة بناء مقاطعة دمرها ثوران بركاني، وعليك إعادة الازدهار لها. لكن سرعان ما تتحول الأمور إلى مؤامرات ومكائد تأخذك إلى أطراف الإمبراطورية.
ميزة الحملة أنها تقدم لك خيار اللعب كشخصيتين مختلفتين: Marcia أو Marcus، وكل منهما له قصته الخاصة. سالفة وجود أكثر من بطل للقصة حلوة، لكن كسرد قصصي ما كانت ذات تأثير معين. المشكلة الأكبر هي أن الخيارات في القصة ليس لها تأثير يُذكر على الأحداث، وهذا شيء محبط صراحة. الحوارات تؤدي غرضها وتحافظ على الإيقاع، لكن لا توجد شخصية واحدة تترك أثراً حقيقياً. النهاية أيضاً كانت مخيبة للآمال ومضادة للذروة بشكل غريب. في النهاية، الحملة مفيدة كتدريب موسع قبل الانتقال للوضع الحقيقي: وضع الـSandbox.
وضع Sandbox: قلب التجربة الحقيقي
هنا تكمن روح اللعبة الحقيقية. الوضع اللامحدود يمنحك حرية كاملة في تشكيل تجربتك. يمكنك تحديد كل شيء: مكان البداية، كمية المال والموارد، وجود منافسين من الذكاء الاصطناعي، ومستوى عدوانية الفصائل والكوارث الطبيعية. هذا المستوى من التخصيص يجعل اللعبة في متناول المبتدئين ومليئة بالتحديات للاعبين المخضرمين.
المنافسون في اللعبة ليسوا مجرد ديكور؛ إنهم يتفاعلون معك بشكل حقيقي، يطلبون خدمات، يعرضون تبادلات تجارية، وأحياناً يفاجئونك بطلبات خارج المألوف. في إحدى جلسات اللعب، تحول خصم كان معادياً في البداية إلى حليف ثمين بعد مساعدته في إحباط مؤامرة ضد عائلته. هذه القصص الصغيرة تضيف نكهة للجلسات وتجعل العالم أكثر مصداقية.
نظام الإدارة
امتازت اللعبة بواجهة مستخدم (UI) نظيفة ومميزة ونظام إدارة عظيم وعميق يعطيك تفاصيل تؤثر بشكل كبير على عامة الشعب وتطلعاتهم. سواء كنت تحاول معرفة ما إذا كان مبنى معين متصلاً بمستودع، أو تحاول اكتشاف المشكلة في طريق تجاري يمتد عبر عدة جزر، فإن الواجهة توفر لك المعلومة بوضوح شديد. يمكننا اعتبار هذه الواجهة نموذجاً يجب أن يُحتذى به في ألعاب الإدارة: إنها نظيفة وراقية وعملية بشكل استثنائي. حتى التعقيدات في اللعبة أصبحت أسهل بسببها. في ألعاب كهذه، غالباً ما تغرق بين عشرات القوائم والرسوم البيانية بحثاً عن معلومة واحدة، لكن Anno 117 تتجنب هذا الفخ بذكاء.
الجوانب التقنية: أداء ممتاز مع بعض العيوب الصغيرة
الإضاءة في اللعبة جميلة جداً وواقعية، مع توجه وتصميم فني رائع. المواد أكثر واقعية، والضوء ينساب بنعومة على الأسطح ليقدم عالماً نابضاً بالحياة. المدن مليئة بالحركة المستمرة — الأسواق، الجنود، المعابد التي تتغير ألوانها مع الغروب. تصميم الأصول (assets) من أفضل ما شهدته السلسلة؛ من القنوات المائية إلى المسارح والكولوسيوم، كل شيء يبدو رائعاً.
الأوبتمايزيشن في اللعبة جيد جداً، خصوصاً مع إضافة تقنيات DLSS وFSR التي تعالج الإطارات بشكل ممتاز. اللعبة تعمل بسلاسة على مختلف الأجهزة، من الأقوى إلى الأقدم نسبياً، حتى مع مدن ضخمة وعشرات الطرق التجارية النشطة. معدل الإطارات يبقى مستقراً، وأوقات التحميل سريعة. مع ذلك، تحدث بعض الهبوطات غير المبررة في بعض الحالات، لكنها نادرة. المشكلة الأبرز تقنياً هي أن تحديد المسارات (Pathfinding) للمواطنين والقوات ليس مثالياً دائماً ويحتاج لتصليحات مستقبلية. أحياناً تتجاهل الواجهة النقرة الأولى، لكن هذه عيوب صغيرة في لعبة محكمة البناء تقنياً.
نظام القتال: إضافة مرحب بها لكن ضحلة
النظام القتالي لطيف لكنه سطحي. عادت المعارك البرية (Land Combat) أخيراً لسلسلة Anno، وهي ميزة طال انتظارها، لكن التنفيذ جاء دون عمق كافٍ. المعارك تركز أكثر على اللوجستيات بدلاً من التكتيكات العسكرية الحقيقية. يمكنك تخطي المعارك بسهولة إذا أردت، وهذا جيد لمن يفضلون التركيز على جوانب البناء والإدارة.
الحصارات تبدو مذهلة بصرياً، ومشاهدة الجحافل الرومانية وهي تتمركز مع آلات الحصار للدفاع عن ميناء أو حصن يعطي إحساساً بالحجم الذي افتقدته السلسلة. الجانب البحري أيضاً تطور: السفن الآن معيارية (modular)، يمكن تخصيصها وتحسينها بإضافة أبراج حصار أو مجدّفين إضافيين أو أسلحة مختلفة. لكن الجانب التكتيكي يبقى محدوداً. المعارك غالباً ما تنتهي بتبادل ضربات متوقع، وجمود الضوابط يحد من حرية المناورة. نفس الشيء ينطبق على المعارك البرية: جميلة للمشاهدة لكن تفتقر للعمق الذي يجعل من كل معركة لغزاً تكتيكياً حقيقياً. الفوز يأتي من القوة الغاشمة أو تفوق المعدات أكثر مما يأتي من الفطنة القتالية.
نظام الديانات: فكرة جيدة لكن غير مستغلة
الديانات إضافة جديدة مثيرة للاهتمام لكنها غير مستغلة بالشكل الكافي. هناك سبعة آلهة (خمسة رومانية واثنتان سلتية)، وكل منها يقدم مكافآت محددة. نبتون يدعم الأنشطة البحرية، سيريس تعزز خصوبة الجزر الزراعية، مارس يقوي الجيش، وهكذا.
على الورق، النظام متناسب تماماً مع السياق التاريخي ومتوافق مع روح الإمبراطورية. لكن أثناء اللعب، تأثيره يميل للتلاشي. المكافآت موجودة، لكنها نادراً ما تغير حقاً طريقة تخطيطك أو إدارتك للمدينة. ينتهي بك الأمر باختيار إله بناءً على التفضيل الشخصي أو الانسجام الجمالي أكثر من الميزة الاستراتيجية الفعلية.
المقارنة مع Anno 1800
بالنسبة للمقارنة مع Anno 1800، اللعبة عدّلت الصيغة لكن لم تُحدث ثورة فيها. الأساس واحد مع تحسينات ملحوظة. المحتوى عند الإطلاق أقل من 1800 بعد كل توسعاته، لكن هناك ميزات أفضل لتحسين جودة تجربة اللعب (Quality of Life). إنها تكرار من 1800، لكن بتقدم أفضل في الميكانيكيات وعيش الحياة الرومانية. الشعور بالـ déjà vu موجود أحياناً، لكن السياق الجديد يغير كل شيء. عندما تأخذ شكلها الكامل، وتمتلئ الشوارع بالتجار، ويصعد دخان الأفران بين التلال، تتذكر لماذا هذه السلسلة مضمونة النجاح.
اللعب التعاوني
اللعب الجماعي التعاوني مفيد لتقسيم المهام بين اللاعبين، لكن به مشاكل في المزامنة (De-sync) يمكن أن تخلق “أكواناً متوازية” من نفس الجلسة. أيضاً، لا يمكن تعديل سرعة اللعبة عبر الإنترنت مما يبطئ التجربة بشكل ملحوظ. إنه خيار مثير للاهتمام لكنه ليس محور التركيز الرئيسي.
* تمت مراجعة اللعبة على PC بنسخة مراجعة مقدمة من الناشر.
الإيجابيات
- واجهة مستخدم نظيفة وفعالة ومثالية.
- نظام شجرة المهارات يضيف عمقاً استراتيجياً.
- السياق الروماني محقق بشكل رائع وساحر.
- أداء تقني ممتاز مع دعم DLSS وFSR.
- حرية كبيرة في التخصيص وخيارات اللعب.
- الاختيار الثقافي بين الرومان والسلتيّين مميز.
- قيمة إعادة لعب عالية جداً.
السلبيات
- رغم الجودة العالية، هناك بعض خيبات الأمل. الديكورات مميزة هذه المرة لكنها ما زالت محدودة، خصوصاً الديكورات السلتية التي يصعب إيجاد ما يناسبها. كنت أتمنى رؤية المزيد من الخيارات لتجميل المدن السلتية.
- هناك بعض البغات الصغيرة: أحياناً توضع الطرق بشكل قطري تلقائياً حتى بعد إيقاف الميزة، وأحياناً يُحذف جزء من الطريق عند نقل ديكور معين. لكنها مشاكل بسيطة يمكن حلها بسهولة وستُصلح قريباً على الأرجح.
- نهاية القصة ضعيفة وتفتقد الذروة المتوقعة. والنظام الديني كان يمكن استغلاله بشكل أفضل. وبالطبع، ليس هناك طفرة قوية عن 1800 من حيث الابتكار الجذري.
Anno 117: Pax Romana ليست ثورة في السلسلة، لكنها تطور محكم للصيغة المجربة. إذا كنت من محبي ألعاب بناء المدن الإستراتيجية، وخصوصاً إذا كنت من عشاق التاريخ الروماني أو من محبي السلسلة، فهذه اللعبة صُنعت لك.
السياق الروماني ليس مجرد قشرة جمالية؛ إنه يغير الطريقة التي تنظر بها للعبة ويمنحها هوية مميزة. شجرة الإكتشافات، الإختيار الثقافي، الحرية في التخصيص، والواجهة النموذجية.. جميعها تجتمع لتقدم تجربة عميقة ومُرضية يمكن أن تستنزف عشرات بل مئات الساعات من وقتك.
